قصص ادبيه .....زمن بلا طعم.....
احضري هذا الصحن ..تصرخ على ابنتها ..في مطبخ تضيق جدرانه على جسدهن وكانهن بذرتين في منتصف ليمونة تعصر..فيما حاسة السمع لدى الابنة قد اقلعت قبل قليل هي الاخرى ابحارا في عوالمها التى لاتزال طفلة..فيشق الكون المنزلي في ركن بعيد و منه الى اذنيهما صارخا : ان اخفضي صوتك ..مرارا وتكرارا اقولها الا تدركين ما اقول..لتضرب البنت اخيها .. فجاة..فيصرخ الابن بان عمرا ضربه في وقت الفسحة لهذا اليوم ..وان الاستاذ صاحت فيه امراة عبر هاتف اصفر..ممتعضا يطالع الزوج قناة تلفازية منتظرا بضيق صدر شديد تجهيز وجبة الغداء ..صراخ وغناء كله صراخ وعويل..اخبار تلو اخبار بنكهات دماء تراق او دموعا تفترش الاحداق ..خزق على المقعد في اثر سيجارة دنهيل يرسم ذاته بتمهل …تغلق القناة بعنف مبالغ فيه وريموت يكسر ..حجر بطارية يولد من قعره ..تدحرج سريعا ثم انه في قشرة موز تعثر..يصرخ على الباب جار له في صاحب الدار ان لا ايجار الا بعد نهاية ايار..طفل صغير يعبر الشارع ..سباب يقتلع الوقار و يعصف..يتلوه حجر طائش في زجاج نافذة يبلغ عن فعل ماض مبني على فتح مقدر..اخرى تضرب دميتها غضبا..يزداد الزوج انفعالا ..تحرق الطبخة..الفرن قديم..صوت امراة في المذياع تبكي جور الزمان وقهر الرجال ..يصرخ في زوجته ان لاعليه فقط كل ماعليها ان تمتثل لاوامره الملكية فتجهز الغداء وفي صمت مع سرعة الاعداد ودقة في تركيز كلوريد الصوديوم..اه في عبها يراود ان لو تضع له نترات فضة ..فيريح ويرتاح..سيارة اسعاف يسافر صوتها هنا وهناك دون داع يتضح انها لجار كان قد توقف قط قرب عجلاتها ليراقص فارا شريدا تبين انه مجموعة جوارب رمى بها شقي قبل قليل لتنطلق موسيقى تصم الاسماع و تنذر. ..جرس يدق..وحارس يبدو مكفهرا متعبا يطالب ببعض مال لابتياع صهريج ماء..زنديق على الطريق طربا على انغام سامانثا فوكس النتنة يراود امراة ويتبختر .. موتوسيكل ياباني يسبق سيارة شرطة نافخا كير مؤخرته غطرسة..وانتصارا..طفل يسقط في حفرة ..منذ ربع قرن..لم تردم.. انهيار مفاجئ في البورصة الكونية ..عبوس يخيم على العالم..امريكي على الشاشة في قناة عربية يومئ بحركة قذرة من يده لضيف عربي بدا يصرخ عاره..طوط طوط يعم غرف تلفاز المشاهدين حول العالم العربي فقط..يرحل الضيف الى الابد لبلده..لا شيء حصل..سفارة امريكية تحتل كافة الشوارع الجانبية بكتل خرسانية مفترسة للجمال والسلام ضخمة..ازيز رصاص لاجل عرس بعد الغد موعده ..سرعان ما انفض سامره و تفركش..اعلان عن وفيات لاجل حملة انتخابية بين مرشحين من بني عم..فتاة تقتل لداع الحياء بيد ابيها سرعان ماتبين انها كاملة العفاف..اسر كاملة تشرد والسبب فجور سياسي متامرك..سيارة مرسيدس تتوقف قرب سوق بالة..وسيدة ما خلسة تترجل ..مسن يقع على قارعة الطريق بجلطة لايملك تامينا ولا مشفى يقبل ..فخذ عظيم لامراة على جدار دار سينما ..سخل على الباب يمتهن بيع التذاكر كان قد ربى شعره ..و عرى صدره ما طفق يتمتع في المنظر..
مجموعة عطور متنوعة تمرغت على اجساد فتيات معاصرات تشق طريقا في زقاق الانف لتزاحم غضاريفه ..بالقوة..وحاسة شم تشتكي اغتصابا و اكثر.وهنا اخرى موشومة في طرف ابط ايمن..تميمة تاتو لاتعني شيئا دعاية على عمود كهرباء..سكين يخرج من جيب خفي لغلام على بائع متجول..مسنة تجمع علب فارغة من سطل نفايات متاخم لسور مقبرة مدمر..مسخرة تنطلق مدوية من فم سائح في وجه شاب لم يستجب لاحضار قارورة جعة..سرعان ما تتحول للكمة و قدم تركل..الشاب هناك على الجانب يتذلل صاحب العمل عله يكمل..اسفين كبير يخرق قدم طفل في حديقة الملك المظفر..وفستان احمر يسير بجسد ممشوق ينثني لالتقاط كوز ذرة اصفر..ثمل في قعر زقاق مجاور راى شيئا فثمل اكثر..سارق يعدو..وفقير يهان و سائق اجرة لن يتنازل عن قرش اخضر..فتية يسترقون النظر عبر دربيل مكبر..فيلم وثائقي يجد طريقه لسهرة حمراء لشابين و عنوان مؤثر..ودهليز سلالم طويل يقود لحي شعبي مهمل..صرصار زاحف على طاولة مطعم يروم قرص فلافل مبعثر….وبصقة في درب مارة تروم حذاءا و تزأر..وزير مفاجئ كان هنا وزع مصفوفة ابتسامات عريضة من على منصة نائت بكرشه الاكبر .. رب عائلة كاد يقتل بائعا لاجل درهم..مطب كبير يختلس همس حبيين في سيارة لانسر.. زيتونة ونخلة اقتلعا من رصيف لاجل منهل ..وبالقرب عائلة تعيش في خيمة تذرف..دجال يقرا الكف لنجار مازال ينشر..ماسورة ماء صدئة مرتفعة بلا داع تضرب راسا فتنزف..فاتورة هاتف جديدة ورقم فلكي يصدح…و رسالة سمجة من غريب لزوجة شابة كادت تطلق..صينية تقع و اقداح تترى تكسر….صراخ من جديد ان انتهت الطبخة..واكتملت.. صراخ يتبعه ان هلموا الى المائدة..صراخ اخر في الجوار يتبعه عويل سيدة اقتادوا زوجها الى مخفر..طفل يتيم يطرق جرس الباب يطلب طعاما..يصرخ الزوج من جديد طالبا فجلا..ابريق عصير مانجو يهرق ..تتبعه قرصة لاذعة لام..ابتسامة ممنوعة في كل مكان هي مجمل ما تقدمه سائر حكوماتنا لنا..و باتقان..ثم عليها تسمسر.. ...........في الداون تاون...........
عرفته من كوفيته القرمزية الفريدة ذات الشكل المخروطي ، ودلاله الكبيرة ، اومئت له : فمنحني كوبا من خلاصة السوس (العربي) الذي ذكرني مسماه بنظيره الأمريكي عبر شحنات القمح (المفأررة) ، وبعد رشفتين كان لايزال ينظر إلي ، أزحت ناظراي بعيدا عن بؤسه الذي مافتئ يقهرني في الصميم ، ليصطدما بفخذ جميلة بصورة كبرى ليسرا على دار سينما (فلسطين)..
بقيت أطالع في الفخذ طويلا .. ممعن في طوله الفارع أو بجماله البارع تارة أخرى..فما وجدت من علاقة مع فلسطين الا انه أشبه بجدار الفصل العنصري الذي يتلوى على أرضنا المغتصبة ، لكني سرعان ما ربطت الموضوع بتعليق لشيخنا ومفتينا وقاضينا الكبير في مفاوضات (الوضع النهائي) فضيلة الدكتور العلامة صائب عريقات في قولته المشهورة ضمن إصحاحه الاوسلوي بأنه لايعدو أكثر من جدار (تجميلي فقط)..لذا فاعتقد بان أخينا صاحب السينما أحسن صنعا بمسارعته في العمل بتلك الفتوى الجميلة..وهنا بادرت صاحب السوس بقولي : امن ترتيبات أمنية هنا وبعبارة أوضح ، هل هذا الفخذ امن ؟ ضحك ببلاهة وكأنه يسخر مني ثم قال : يا أخي صيبوا واذا طخك حدا ببقى لا !!! أجبته بالتأكيد فإذا هو يتبع منطقة (سي) .
قررت خوض غمار السينما للمرة الاولى ، خالجني إحساس حينها باني المفاوض الوحيد لبائع تذاكر الدار ، قمت بدفع قيمة التذكرة خاضعا رغم انفي لكل الضرائب ، و في ما تبقى لدي من وقت قبيل بدء الفيلم قمت بجولة سريعة في الداون تاون .
كل شيء هناك معد للبيع ، حتى الأوطان والمسروقات ، والمال والذهب ، والوقت بماضيه ومستقبله والأفكار ، والنساء وكلى الأطفال أيضا ، وبقايا زيت الفلافل ومكانس من سنة ستي ، كل كل شيء هو كذلك ، المعروضات من كل حدب وصوب ، وما بين الفينة والأخرى عروض وتنزيلات ، واللي مايشتري يتفرج فالفرجة ببلاش كما يقول مثلنا المعروف .
اغلب المعروضات أزياء نوم للسيدات، هنالك في الزاوية تقف إحداهن وقفة مانيكان على باب محل أزياء..لتأتي أخرى فتعجب بردائها دون أن تلتفت للأعلى فتتحسس الفستان الذي تلبسه ، فتوبخها الأولى ظنا بأنها سارقة فتنتفض الأخرى متأسفة من رهبة الموقف وضحك المارة فتولى مطاطاة الرأس ، ليبدو كهل يستجدي المارة سرعان مايتوارى بين تسع سيدات يسرن معا نصفهن محجبات ، فتى يبيع علكة بقرشين وبائع يمسح الغبار عن مجموعة كتب ليسقط دينار فوق رأس ماسح أحذية ، بائعة دخان مهرب من الضرائب على الزاوية الأخرى تمسح ببقايا عباءتها عرق الحياء الذي لاتشعر به زبونتها اللاهثة لكشف ماوجب ستره ، إعلان للبيع : فكرة لمشروع يدر دخلا بعشرين ألفا ..أنبوبة غاز تتدحرج خارج محل حلويات ، أصوات إطلاق نار فرحة بمعدل ثلاثة وخمسين بالمائة لشاب أعاد التوجيهي أربع مرات ..حبلى تحمل طفلها فيما زوجها يولع سيجارة ممعنا النظر بما يبدو أنها عروس تستعد لليلة زفاف ، ثلاثة شباب يضحكون ورؤوسهم قريبة جدا من بعضها ظهر بأنهم يتبادلون ملفات ساخنة بالبلوتوث ، حبيبان قرب محل ورود ..بضع أقداح لقهوة تركية على صينية صدئة تقدم لموظفين في محل صرافة وصافرة لشرطية سير تسحل من بين شفتيها بفعل كريمات شمس حاولت أن تعلن عن مخالفة..طفلين قرب عربة لبائع كعك يمسك احدهما بيضة ويضربها في رأس الأخر ويوليا الدبر، صوت جميل ليرغول ينطلق من حنجرة شاب يبيع مجموعة مزامير مصنوعة من قصب السكر..مبنى كتبت عليه عبارة (للبيع) باللغتين العربية والعبرية ، مجنون يسير بطريقة حلزونية إلى الأمام بين مئات المركبات فيما الأخر يسير إليه بطريقة معاكسة وبذات الشاكلة وكأنهما يصنعان شكلا مماثلا للحمض النووي ، سكارى يخرجون لتوهم من حانة قريبة من مسجد ، عطر فواح يطيب المكان بمرور مجموعة آنسات ، صوت سباب لاذع بين رجلين بسبب دينار ، ملابس داخلية تباع على الرصيف ، موسيقى صاخبة من مسجل قريب تطغى على أذن عابر وقور ، أعلام وطنية وحمالات صدر للبيع قرب زاويتي عتبة ، بضع دنانير من عهد صدام ومجموعة طوابع تستجدي المارة نظرة واحدة إليها ، طفل يتسلى بلعبة الثعبان بهاتفه المحمول ، إعلان ملفت عن افتتاح مول جديد للتسوق ..رجال امن يحيطون بمجموعة سياح ، عبور موكب سبب ارتباكا ، القبض على مجموعة متسولين ، حجر قديم نقش بحرف لايفهم معد للبيع خلسة في هذا الزقاق ، وفي أعلاه ..حقنة وريد على السريع لشاب في العشرين…صوت أبح لاتفهمه ينادي على شيء ما تعرف انه اكواز ذرة من العربة التي يدفعها أمامه ..وفتية يتسكعون من حوله ، صوت سيدة يدعو على بائع رفض إعادة بنطال ..رسام هنالك في الظل يدقق في ملامح متصابية تروم رسما بطريقة ما..مواء قطة قرب ملحمة ..مجموعة سيديهات منسوخة على شرشف ازرق قرب باب الدار..اصطدام في الخارج مع تهشم لزجاج امر دعى بعض الحضور الفضولي الطابع للخروج محاولا الاحتكاك وان بشكل قد يبدو عفويا بالجنس الاخر ..لحظات وبدا الفيلم…
المكان مظلم ، المقاعد نصف مريحة اما الامان فكلا ، يبدو ان خلفي مجموعة من ضريبة الأمواس ، فيما بقايا بزر البطيخ تتطاير للأمام .. سيدة وزوجها على اليمين منصتان ، بجانبي شابان يتبادلان الحديث بلغتين وكان العالم باجمعه لايفهمهما ، فتاتان تبدلان مقعداهما ، سيمفونية تجشؤ من نصف واع في المؤخرة ، بائع ترمس باعنيه مرا ببسمته الرائعة ، صوت لعلبة كولا ينطلق مع رنة محمول ، ذبابة على كاميرا الشاشة ظهرت مكبرة تثير قهقهة ، باب يغلق ، بدأت مقدمة الفيلم..فخذ مرة أخرى بشيء من الإثارة ثم زووم وسط صيحات مؤيدة لمجموعة من خلفنا..توقف الفيلم فجأة عند كلمة إخراج..صورة الملك غطت الشاشة..
وماهي الا لحظات والجميع هم وقوفا الا العبد الفقير كاتب الكلمات..فجأة بدا النشيد الوطني..عاش المليييييييييييك …عااااااش المليييييك ومابين حيرتي برؤيا فخذ وسماع سلام الا ويد تستلني بكاملي من الخلف وتأمرني بالوقوف بكل خشوع وبالقوة..فلم أكن اعرف بعد بان السلام الملكي يصدح أيضا في دور السينما..الأمر الذي أشعرني بغصة من بداية الفيلم التحفة..بعد نهاية السلام وبخت من ذات الشخص في الظلام..تماما وكأني أعيش بموسكو في عهد ستالين ، وماهي الا لحظات وبدا المزاج الذي يحبه الكثير ففضلت الخروج على الفور من كل الداون تاون..صاحب تكسي أشرت له..فضل أن يوصل امرأة وفعلها أخر وأخر وآخر مثله ، فكرت بان اتوارى خلف سيدة ثم اشير بيدي لسائق جديد عله يفكر بانني هي ، وقبل أن يبتسم لي حظي..كنت قد ابتعت أنموذجا خشبيا لقبة الصخرة من بائع أصر بأنه المسجد الأقصى. ...........أمل المُعتق في جوف النهار هو الذي يغتال ليلتي الباردة هذه ، أستيقظ الآن على ذكرى مرورك من حياتي ، وأصب في جوفي ترياقاً من أكاليل الخلود الاعتباطية لحالة ٍ عشقية كانت ذات يوم قصة حب ..
بالماضي صليت صلاة الغائب على كل قصائدئنا ورسائلنا وحكاياتنا ، وطويت في تضرع ٍ مخيف يباب رحيلك ، الذي اتى على كل شيء ٍ كان ، تقاليد مجتمع تنوء في غياهب الجحود..كترياق سحرة موسى في عصي المستحيل..نوارس الاهات تمارس طيش الكتابة بقلمي تي اللحظة ولكان الحبر الافلاطوني الذي المحه يداعب الام مكسيم غوركي واسرار اجاثا كريستى..مايلبث ان يجف ويتناثر كغبارمنفوض في وجه رسائلي ، هو عاصف فضفاض متعجرف كتذكار لطائر ابيض ذبيح يتطاير الما من حد المدى إلا أنه بابلي القدم ، قدم عينيك ِ التي كانت في يوم ٍ من الأيام أعجوبة ً من أعاجيب الزمن تتلوها ضحكة كسيمفونية بصدى احاسيس حيرى..طنين في عالم النسيان الموحش..
كلها ترمد المكان ، والكتب المنثورة في مكتبة ِ منزلي تسألني عن نعومة يديك ِ ، ومنفضتي الزجاجية ، تنحسر هناك بعيدة ً عني ، ولازال فيها عقب سيجارة ٍ تناقلتها شفتينا على سبيل العبث في لحظات من اللاشعور الجميل..
اليوم اسطر قصةً بدأت أكتبها منذ سنين، لأسرق من وقتي لحظات ٍ أكذب فيها على نفسي ، لعلك ِ تطرقين بابي ولو خطأً يجره الصواب .. ولكن أياتي المستحيل ..؟
ثلاث ألاف ليلة ٍ ، وألف أغنية وقصائدي التي كتبتها وبقايا روج على مناديلي التي خباتها ٍ
وقرصتي اللتي رسمتها على ساعدك وبقايا الفنجان الذي قراناه في زوايا الذكريات..
انهكتني بعد رحيلك ، هاهي بيوت العنكبوت بدأت تغزوا أركان بروازك حيث تحملق صورتك وأنت تتأملين البحر ، متجاهلة ً رجلا ً تهجى جسدك الممشوق ببراءة طفل منذ كنا صغارا..
دعيني أستحضر الكثير من الأعذار الواهمة ، دعيني أنثر بريقا ً من يأس الأمل الطائر إلى حدائق صدرك ، وأفكر وأفكر وأفكر ماذا فعلت بك ِ الأيام يا ترى ؟
قلت ِ لي ذات يوم بعدما مررتِ على شفتي قُبلة ً في الهواء ..
مِثلك يحتاج إلى الفجيعة ، حتى يكتب
وقلت لكِ ِ وأنا ألملم خيبتي المنحسرة بين يديكِ ..
ومثلك ِ يحتاج إلى أطنان ٍ من الرحمة حتى لا تُنسف أعماقي
غريبة قصتنا ، كانت هديل حمائم َ ، تحيط أيك الأطلال ، والجدران المتهدمة حولها لا تعدوا كونها رفات حب كنت تكتبيه لي في رسائلك الورقية المتشحة بكل الوان الورود يوما ما ، اليوم رايت نفسي شبحا من ذكريات ، لم تكلف نفسها المرور على حطام رجل ، ولا تفوت فرصة لاستنشاق عطور النساء السافرة في محطة ِ هوس التقاليد..وترانيم الاعراف الغبية..ها أنا بعدك ِ شيئاً اخر في حياة اخرى بالتأكيد لست ِ فيها ، حتى ذاكرتك البليدة المعطوبة المشاعر ، تتيه في أودية الرحيل نحو فجر اخر لرجلٍ جديد لم يكون أنا ابدا ولن يكون..
كلفني حبك ِ عمرا ً من الورد والجوري واللوتس واكوام الحنين، وكلفتني حماقاتي كرامة رجل ، وكلها ثمن ٌ لا يشابه الشفق المرشوش على جبين أيامي ..او قمرا من اكاليل كنت ارومه على محياك الجميل..
وداعا ً حبيبتي .. أو حبيبته ..
أو حبيبة نفسك .. أو حبيسة القبيلة..
ففي جميع الأحوال ليس من خاسر ٍ فينا ، سوى رجلين ، الأول أهدى قلبه في ثوب حُب ٍ عذري ، والثاني أهدى جسده في ثوب زواج ٍ نسقي ، أما القنطرة المعلقة بين طرفي تاريخهما ، هي من تعلمت كيف ترقد في وجدان العشاق ، دون أن تحرم نفسها شبق السعادة الحب يأتي في اول يوم ماطر في أول يوم شتائي كنت أجلس على ذلك المقعد الخشبي المعتاد في الحديقة التي جمعتني طوال أعوام خلت مع تلك الحبيبة التي صارت ذكراها في دفتر الزمان ، فقد خطفها مني فارس من فرسان السيارات الفارهة ومزّق آخر ما تبقى من أحلام السنين الماضية.
قضيت شهوراً طوالاً أجلس في الموعد نفسه ، حتى انكسف فؤادي من حرارة الصيف وصار كأوراق الشجر الجافة.
في ذلك اليوم كانت بواقي أوراق الشجر تنهمر أمامي مطروحة على الأرض .. كان بودي لو أن أوراق الشجر تُدفن؛ لقمت في واجب آخر الأوراق التي كانت تشاهدني في الربيع مع حبيبتي.
الحديقة بلا صيف وسعادة، فلا صوت لكركرة الأطفال ، ولا تغريد لعصفور طريد، والسماء مسرح سريالي لآخر الطيور المهاجرة ، وبائع الذرة يعود إلى بيته مخذولاً دون أن يبيع حبة ذرة واحدة ، ورسائل الحب الصيفية تتطاير دون أن تلتقطها يد شاب أو فتاة، والتربة ترتجف من البرد بعدما خلعت ثياب العشب الأخضر.
عرفت أن الحب الآن يأتي إلى بلادنا مع مطر الشتاء ، و سيشرب من أولى قطرات المطر، وسيبكي في أول لحظة حزينة من كآبة الشتاء ، و يجلس كأي طفل يسمع طقطقة حطب المدفأة.
قطرات المطر بدأت تنهمر و تتسلل إلى معطفي، الناس يهرولون مسرعين إلى بيوتهم،إلاّي فقد كنت أسير بهدوء ووقار.
أضحك من تلك نظرات إعجاب الشباب، الآن وسط سهام المطر التي تصيبهم في كل مكان من أجسادهم لا يأبه بها أحد ، حتى صار شكلها مضحكاً بعدما أختلط المكياج بقطرات الماء فوق وجهها، فعندما يأتي الحب لا يستطيع أحد أن يزيف الجمال.
العيون كلها تذرف الدموع بعدما همّى المطر على الوجوه ؛فالبكاء تسحّه الغيوم عند دخول كآبة الشتاء .
أيقنت أن الحب الآن قد وصل، ليمسح بأنامله الرقيقة دموع العيون الحزينة، وهاهي أول خيراته العاطفية تتجلى على القلوب؛ فقد خلع شاب سترته ووضعها فوق رأس حبيبته. و تلك ضمت عريسها الصيفي كنخلة ملتصقة تحت مظلتها .. قوس قزح يطل من بين الغيوم مبتسماً ثم تحجبه غيمة سوداء.
عدت إلى البيت مسرعاً،جلست بجانب المدفأة ، ألقمتها بعض الحطب؛ ليعيد الدفء الساكن في صدري، ويخلصني من هوس الخريف ، وشغب أيامه.
سألتني المدِفأة عن ذلك الدفتر الذي كنت أكتب فيه خواطري الليلية؟ وعن حبيبتي التي كنت أتكلم معها عبر الهاتف النقّال طوال الليل؟ فأخبرتها أن كل ما امتلك من ماضي عاطفي تشتت مع آخر غيوم الشتاء.
صوتٌ يأتي من آخر الشارع من بين صفير الرياح ووقع المطر، يقطع حديثي مع المدفأة التي تريد البكاء علّي، لولا أنه محرم على النار أن تبكي، مصدر الصوت لإحدى الفتيات التي فتحت نافذتها متحدية الهواء القارص و تلوح بيدها مرحبة بالشتاء و قدوم الحب و الذي رد عليها ببعض القبل بشكل نقط مطر سريعة، صوت غناء فيروز يتسلل من غرفتها تغني ( ليالي الشمال الحزينة ).
ذهبت إلى غرفتي و البرد و الحزن يتخللان جسدي كله، جلست في فراشي أمارس متعة النوم في الشتاء، أحتضن "البطانية" وأشاهد مسرحية البرق و هو يضيء السماء كحفلة ألعاب نارية تتبعه أصوات الرعد المخيفة.
بدأت قطرات المطر تزداد قوة، وأصوات الرياح تعزف أنشودة العشاق الحزينة. كانت الليلة الأولى للعشق الشتوي، فأحببت أن أظل الليل كله محتفلاً برأس السنة العاطفية ، مستمعا لأنشودة الرياح طوال الليل مع أني لم أفهم كلمة واحدة، تماما مثل تلك الأيام الصيفية عندما كنت أجلس لاستمع لأغاني (سيلن ديون ) .
كان بين يدي ديوان شعري لغادة السمان (عاشقة في محبرة ) أنظر فيه للحصول على وجبة ثقافية، استسلمت أخيراً للنوم و الديوان هائم فوق وجهي مثل قبلة أمي عندما كنت صغيراً، لعله يعطيني شيئا من دفء الكلمات التي فيه .
كل نصف ساعة أغادر أحلامي لأرى قطرات المطر تنهمر ميتة على النافذة، و تنطق بكلمة (أخ الأخيرة ) . أحلامي تعرض قصائد غادة السمان التي كنت أقرأها قبل النوم؛ تأتيني على شكل كوابيس وكأني أنا بطلة روايتها (كوابيس بيروت)أو أنا الذي حولت النساء إلى "بومة" وفرضت التشاؤم على نساء قصائدها الشعرية.
آخر الليل زارني في أحلامي "شكسبير" فقال لي :
- أيهم أنت من رجالي .
قلت له :
- يا عزيزي كنت دوماً مثل (روميو) أموت في نعشي دون أن تصحو (جولييت) لتبكي علّي، وقضيت سني عمري (هاملت) المخدوع عاطفياً،ومع كل فتاة لم أدر لوقتي هذا أكون أو لا أكون عاطفياً بين قوة مشاعري وسوء حظي في الحياة،و الحمد لله لم أكن يوماً من الأيام أحمل سذاجة (عطيل ).
صحوت صباح اليوم التالي باكراً، نظرت إلى النافذة ، فإذا ببعض الأشجار تنفض ما عليها من مياه المطر، تساعدها بعض الرياح الخفيفة و تستعد لموجة شتاء قادمة، فتحت المذياع لأسمع آخر أخبار الحب العاجلة كانت فيروز تغني "رجعت الشتوية" . نظرت إلى السماء فإذ بقوس قزح قد تشكل على شكل قلب حب ،وفي وسطه تظهر الشمس من بين الغيوم ، والأرض مفروشة كلها بورد أحمر .
من السماء يظهر رجل ذو لحية بيضاء ،يركب طيراً أبيض له أجنحة ذهبية، يقذف الغيوم ورود ياسمين فيسقط المطر مشبعا برائحتة نفاذة، أنا اعرفه جيداً أنه القديس (سان فالنتين) قد أتى ليزرع المحبة في قلوب العاشقين قبل موعد عيده -عيد الحب- .
فتحت نافذتي الباكية واستنشقت كمية هواء ضخمة، شعرت بقلبي ينبض من جديد،وبنشاط يعيد لي ذاكرة الساعة الأولى في أول علاقة حب، ها هو الحب يعود لي من جديد، مع فتاة جديدة ،تختلف عن كل الأُخريات ولكن من هي؟
مساءً هاتفتني فتاة أخبرني أنها معجبة بكتاباتي، وما أن وصلني صوتها حتى سمعت نبضات قلبي تعود كما كانت حيوية ولذيذة، تدق أجراس الحب الذي لم يأتني هذه المرة كالعادة من أول نظرة بل من أول كلمة. قصة الصفحة الأخيرة رفع الغطاء عن عينيه، نظر إلى الساعة فتفاجأ أنه تأخر عن موعد استيقاظه بعشر دقائق. قفز من السرير مسرعاً.وجه عينيه اللائمتين نحو المطبخ حيث تقف زوجته أمام "المجلى" تستمع لصوت المذياع.
يتكلم مع زوجته بصوت عال :
- ألم أقل لك ألا تغادري الفراش قبل أن توقظيني، لقد تأخرت، أه، خمسة وثلاثون عاماً ولا تفهمينني .
- النهار طويل و لا يزال في ساعاته الأولى يا رجل…. اذكر الله .
يقف أمام المرآة يمارس الواجب اليومي الأحب لقلبه؛ حلاقة ذقنه، فهو منذ العقد السابع من القرن الماضي يُمارس هذا الواجب يومياً وبالنوع نفسه لتلك الماكنة الكلاسيكية التي يضع فيها الشفرات المطبوع عليها شكل تمساح، يُحدق في هذا الوجه الذي صار مليئاً بالتجاعيد والتي تُفسد عليه متعة تحريكها بسلاسة.
يتذكر أجمل أيام حياته التي شاركته بها هذه الماكنة؛ أول يوم حلق فيه ذقنه، أول يوم التحق فيه بالجامعة، أول يوم للوظيفة، يوم الزفاف،حيث كان يشعر أنه عازف مايسترو وهو يحركها على وجهه !
يجلس على مائدة الطعام ، يتناول قطعة صغيرة من الخبز الأسمر، بعد أن فرض عليه مرض "السكري" أحكاماً قاسية بالامتناع عن بعض الأصناف التي توضع على المائدة.
يُمعن النظر في وجه زوجته، الذي كان مثل حبة "تفاح لبناني" قبل أن يُعلن الزمن تمزيقه بثنيات الجلد ، يحاول أن يعبر بذاكرته ليتخطى تلك التجاعيد التي تشوه وجهها، حتى يتسنى له أن يوقع عليه قبلة بسيطة، ولكنه يضحك على نفسه أيضاً ،فأي قبلة من شفتين تقفان على طقم أسنان صناعي ؟!
يرتدي ثيابه. يغادر البيت . يقف بطابور "السرفيس" متوجهاً إلى مجمع "رغدان"، ينظر إلى الساعة المثبتة فوق بناء إسمنتي.يشعر بنشوة كبيرة حيث لم يتأخر عن الوقت، يتوجه إلى مقهى شعبي يقع بجانب حافلات النقل العام . يَشرب فنجان قهوة، بعدما يتأكد من ذهاب الموظفين إلى أعمالهم ينظر إلى ساعته التي ما أن تُعلن عقاربها الساعة الثامنة وخمس عشرة دقيقة حتى يغادر المقهى.
يجلس على أحد الحجارة يتأمل في عظمة بناء المدرج الروماني، ومن ثم يتابع المسير عبر شارع سقف السيل.
يتمنى في داخل رأسه أن يُصادف مجموعة من السياح الذين يسيرون ما بين الساحة الهاشمية و شارع السلط، فمعظمهم عادةً من كبار السن، لكنهم يرفضون الاستسلام لكبر العمر. رجال ونساء تجاوزوا الستين من أعمارهم، يرتدون "شورتات" قصيرة ويلتقطون صوراً لكل ما يصادفونه .
يفكر كم كان يتمنى أن يداهمه الموت قبل أن يحال على التقاعد، ويصبح رجلاً عديم الفائدة، حتى الراتب لا يشعر بنكهته مثل أيام العمل.
يقف بجوار المسجد الحسيني، ينظر بحسرة نحو مبنى قهوة حمدان، مع أنه لم يدخلها منذ ثلاثين عاما، ولكنه كان يستبشر بالنظر نحو حجارتها الصفراء فلقد كان يسير بجانبها طوال سنوات العمل.
يتجه إلى الحديقة التي تقع بجانب مبنى الأمانة، يجلس على الكرسي نفسه يوميا، سوى عندما تطرده قطرات المطر أو حرارة صيف مهتاج، ينظر إلى جبل القلعة، يتأمله لساعات دون أن يعرف مالذي يشغل باله بهذا المشهد!
يعود عبر الطريق نفسه. يدخل المسجد الحسيني ،يصلي الظهر ، ويقرأ ما تيسر من القرآن. يحُاول العودة سيراً على الأقدام إلى المجمع، ولكن بطنه المتدلي بالدهون يهبط من عزيمته. يستقل باص النقل العام ويعود إلى مجمع رغدان .
يجلس في القهوة نفسها التي جلس فيها صباحا . ينتظر حتى يعود الموظفون من أماكن عملهم المحيطة "الدوائر الثمانية".
وعندما يُشاهد حافلات النقل العام تقلهم إلى مجمع رغدان، ينظر إلى ساعته ليتأكد أنه في نفس الوقت الذي كان يعود فيه من العمل.
يشتري حاجات البيت و يستقل سيارة أجرة، ويعود إلى البيت.